يصف إياد يوسف مشاهد العيون الغائرة والأضلاع البارزة وصراخ الأطفال من الجوع في غزة بأنها لم تعد نادرة بل تحولت إلى مشهد يومي. لكنه يوضح أنّ المجاعة لا تنشأ عن غياب الطعام بل عن السياسة والحصار وإعاقة متعمدة لوصول المساعدات.

في هذا السياق، تظهر عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات كإغاثة محدودة لكنها تخدم غرضاً سياسياً أوسع، إذ تتيح للحكومات الغربية، التي دعمت إسرائيل طويلاً، التظاهر بالاهتمام الإنساني وتخفيف النقد الداخلي والدولي، مع إخفاء حقيقة أنّ سياسات حلفائها أسست لظروف المجاعة.

ويبين ميدل إيست آي أنّ هذه العمليات تمنح بنيامين نتنياهو فرصة لتصوير المساعدات كاستجابة للضغوط الدولية، لا كخطوة تحت سيطرة إسرائيل. فنتنياهو، منذ بداية الحرب، انسجم مع توجهات وزراء اليمين المتطرف للحفاظ على تماسك ائتلافه، بل انطلق من قناعة شخصية متشددة.

وقد عزز ذلك تحالف حزبه مع فصيل "القوة اليهودية" المنتمي إلى التيار الكهاني المحظور. في المقابل، تقاعست الحكومات الغربية عن الضغط لوقف الحرب رغم تجاوز عدد القتلى 60 ألفاً، بينهم أكثر من 16 ألف طفل، ولم تعد الحصيلة تقتصر على الغارات بل امتدت إلى وفيات بسبب الجوع ونقص المساعدات.

يفسر النص عجز الاتحاد الأوروبي عن الاتفاق على إجراءات ضد إسرائيل، بما في ذلك العقوبات التجارية. فرغم إعلان المفوضة كايا كالاس عن تفاهم مع تل أبيب لتسهيل المساعدات، بقيت العقبات قائمة، وأكدت منظمات حقوقية أنّ العجز لا يتعلق باللوجستيات بل بخيارات سياسية متعمدة. المفارقة تكمن في بقاء آلاف الشاحنات عالقة في مصر والأردن بينما تسقط الطائرات طروداً غذائية من السماء.

ويكشف شاهد من الجيش الإسرائيلي أنّ القوات أحرقت أو دمرت نحو ألف شاحنة مساعدات. في حوادث أخرى، أعاق مدنيون إسرائيليون قوافل وأتلفوا شحنات. تصريحات المسؤولين عززت هذا التوجه: وزير الدفاع السابق يوآف غالانت أعلن حصاراً شاملاً، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش برر تجويع السكان باعتباره وسيلة للضغط، بينما أكد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أنّ الجوع في غزة مجرد دعاية. حتى في 2025، صرح وزير الدفاع إسرائيل كاتس أنّ القيود الإنسانية أداة ضغط شرعية.

أمام هذا الواقع، صعّد الضغط الدولي، واضطر نتنياهو خلال مؤتمر مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لندن إلى سماع اعتراف علني بأن "الأطفال يبدون جوعى جداً". لكن بدل فتح المعابر البرية، دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها حملة الإسقاط الجوي التي قادتها الأردن والإمارات.

هذه الطريقة وُصفت بالخطرة وغير الكافية: فكل طائرة لا تحمل سوى ما يعادل حمولة شاحنة واحدة، في حين يحتاج القطاع نحو 500 شاحنة يومياً. كما تسببت الصناديق الساقطة في إصابات وقتلى بين المدنيين.

ويضيف فيليب لازاريني، مفوض الأونروا، أنّ أكثر من 6 آلاف شاحنة تنتظر الدخول، وأنّ الحل متاح لكن الإرادة السياسية غائبة. رغم تبرير واشنطن وتل أبيب الخطوة بالقول إنّ حماس تسرق المساعدات، لم يظهر دليل مقنع على ذلك. ومع ذلك، دعمتا إنشاء "مؤسسة غزة الإنسانية" في ولاية ديلاوير، كبديل عن الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي.

غير أنّ هذه المؤسسة أثارت انتقادات متزايدة، خصوصاً بعدما قُتل نحو 900 فلسطيني خلال محاولاتهم الحصول على الطعام عند نقاط توزيعها. الأمم المتحدة رأت أنّ هذه الوفيات تثير قلقاً بالغاً بشأن فعالية النموذج وخطورته. كما شككت تقارير في مصداقية الادعاءات حول نهب حماس للمساعدات، محذرة من أنّ الاعتماد على مؤسسات سياسية جديدة يقوض الكفاءة والحياد، وهما ركيزتان أساسيتان للعمل الإنساني.

ويؤكد الكاتب أنّ الإشارات الرمزية لا تعوض الإغاثة الحقيقية. الحل يكمن في تمكين الوكالات ذات الخبرة مثل الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي من العمل بحرية، لأنهما يمتلكان البنية التحتية والشرعية الضرورية لتقديم المساعدات على نطاق واسع. وحدها هذه العودة إلى القنوات الإنسانية الفاعلة يمكن أن توقف الكارثة المتصاعدة في غزة، وتضع حداً للاستجابات الاستعراضية، وتعيد الاعتبار للمحاسبة والعمل الإنساني الفعلي.
 

https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-aid-drops-salve-western-guilt